زهرة برسيم 🍀 ٤ ورقات ، ٤ تكتيكات ، ٤ سنين
Winslow Homer - The Four Leaf Clover
زهرة برسيم 🍀
٤ ورقات ، ٤ تكتيكات ، ٤ سنوات
دُمت بخير صديقي الناعس ، انا طارق،
وقد استيقظت مبكراً اليوم ،
و كم أحب الأيام التي أسبقها في البدء،
ان تتاح لي فرصة النهوض قبل الجميع ،
أحياناً في ذلك الوقت المسروق أظن أني استيقظت حتي قبل حزني وقبل أن تستيقظ أفكاري ،
هاتفي بدون إشعارات ولكنه يصلح لتحويله لراديو،
بالوقوف امام المرآة أحاول رؤية نفسي من جديد ،
ابدأ في النظر للانعكاس في مرآة دولابي المكسورة،
اتذكر ان تلك المرآة السابعة خلال شهرين التي أكسرها خلال نوبات غضبي ،
اعود إلي الانعكاس المبعثر لأري
شاب في الخامسة والعشرون ،
رغم ذلك دائماً ما يدعونني أصدقائي بجدو العجوز،
مصاب بأحدي الأمراض التي لم تُكتشف بعد ،
أقول هذا لنفسي في المراة اليوم ،
هرباً من ان أقول اني مصاب بأحدي الاضطرابات النفسية بصوت عالي،
أختبئ وراء ابتسامتي العريضة كل يوم،
و أنتظر لضوء الشمس أن يجدني يوماً ما.
بداخلي القليل من كل شئ والكثير الكثير من الحزن الغير مبرر،
و دائماً ما تعجب من حولي من عمق حزني
فكيف أحزن و انا أُصل يفروضي وهناك فراخ مشوية في الثلاجة!؟
أحب التصوير لأنه يخفف تعلق قلبي الشديد بالذكريات ،
او ربما لأنه يملأ في داخلي فراغ السفر ،
أحب السفر و أقربهم لقلبي السفر مع حكايات الشارع ،
سياحة فكرية من تجاعيد الزمن في عجوز يروي شجرة أمام احدي شرفات الأزقة،
رياضتي المفضلة المشي بدون هدف ،
ربما لذلك أخترت لنفسي أن أعمل كمندوب مبيعات أقضي يومي كله أهرول في الشوارع ،
أحببت سماع أم كلثوم منذ صغر سني وتمنيت صغيراً ان أتزوجها لتُغني لي كل ليلة
أحب الشاي بالقرنفل بدون سكر ،
و أحب كوب القهوة بثلات معالق من السكر،
أعشق حكايات الجدات ،
و أنتظر مقابلة قطط وكلاب الشارع لألعب معهم
أتعطل كثيراً في فهم روحي
و أتعجب من مشاعري التي تباغتني بلا مصدر
و مازلت احاول فهم التخُبط بين عقلي و قلبي ،
أتمني الكتابة لأخرج الحزن من داخلي يوماً ،
وأري أن الكتابة الحقيقة هي التي يشف فيها الكاتب روحه ،
يظهر ضعفه الأنسانى للقارئ ليشعر هو الأخر بهشاشته و يدرك انه ليس وحيداً في هذا العالم.
اليوم ضوء الشمس يصافح برفق جدران غرفتي البيضاء ،
اراقب ممتنًا ضربات قلبي الهادئة والمنتظمة ، أكمل قراءة كتاب رفيقي في رحلتي هذه الأيام،
غسان كنفاني، الذي يعاتبني كعادته، وأعتذر له كعادتي علي نسيانه من أثر هرولة العمل اليومي.
وكم أحب هدوء الصباح ممزوجاً باذاعة القرآن الكريم،
فبعد ما يقرب اربع سنوات من العلاج النفسي،
قررت فيها ترك الفرخة المشوية في الثلاجة و الذهاب لأول جلسة علاج نفسي،
تعلمت خلالها بعض التكتيكات بيني وبيني التي ساعدتني في التعامل مع الفقد و وحدتي ،
نواتها الاهتمام بتلك التفاصيل اللطيفة المخفية الظاهرة جداً في يومي،
في السنة الأولي كانت اولي خطوات العلاج بالنسبة لي هي الاعتراف بأني محتاج أتقبل و أقبل.
محتاج اطبطب علي الطفل اللي جوايا،
محتاج احتويه واحميه من اي علاقة او اي حد هيصدرله انه ميستاهلش.
احدي قصصي عن حضانة السيدة نسرين،
او بمعني أصح بيتها الذي جعلت غرفة منهم حضانة لأطفال الحارة لتسترزق منها بعد موت زوجها عم احمد،
الذي كانت تحكيلنا عن شجاعته في حبها امام رفض عائلته،
ولانه كان في الاصل بيتها فكانت اولي الاداب
ان تخلع الحذاء خارج الغرفة ،
ملأت السيدة نسرين أيامنا بالحكي، عن زوجها عم أحمد بالأخص و عن ماضي أهالي الحي،
تنفذ امتع وابسط الألعاب بمحتويات البيت
احدي هذه الالعاب كانت الجري بكوب زجاجي ممتلئ بالماء حتي أخره من بداية الغرفة إلي اخرها ،
دون ان تسقط منه شيئاً والفائز له الحق في اختيار القصة التي سترويها لنا السيدة نسرين
والجلوس بجوارها علي كرسي العرش ذوالاطراف الخشبية و مسند من القطن المُنجد،
الا انني كنت انظر دائماً إلي الفتاة ذات الشعر البني اللامع الطويل بتوكة قرمزية،
وفستان ابيض منقوش بورود دوار الشمس،
لاسقط الكوب قبل خط النهاية، كاسراً الزجاج من اثر الارتطام أذياً يداي وقدماي،
والأن اقول ربما هذا كان اول درس لي في أحتواء مشاعري ان أعاملها كالماء داخل كوب زجاجي،
أقضي إيامي مهرولاً بهذا الكوب من محطة إلي محطة كاتماً اياه في صدري مخافة ان أسقطه وينكسر قلبي.
تكتيك طارق للسنة الأولي
"فعل القرب ذاته، هو دوام ثنائي الوظيفة يتطلب تكافل فردين حتي يتم ،كوحدة أرسال و أستقبال ،
الأول يحاول التقرب والأخر يسمح له بالاقتراب ،
فلا تهلك نفسك مع من لا يستحقك،"
في السنة الثانية للعلاج ، كانت جلساتي بعنوان
أنا عايز…،بس خايف لأحسن…،
لأوضح لك الفرق بين انا محتاج وانا عايز،
دعني في البداية أعطي لك مثال علي ترتيب مشاعر الانسان علّ فهمي يوضح الباقي ،بعد يوم من الصيام عن الاكل ، سواء كان ذلك بسبب ضغط وانشغال العمل او غيره ،
إذا قمت بسؤال مجموعة عشوائية من الحضور مالذي تريدينه الان ،
ستتنوع الاجابات بين جميع اصناف الطعام المتنوعة من المصري للسوري للحار و البارد و غيره ،
يدرك السائل هنا كم الاختلاف الكبير بين الناس ،
لكن في الحقيقة ان رددت هذه الرغبات المتنوعة إلي أصلها،
دون أختلافات الطبقات الاجتماعية والسيناريوهات المحتملة ،أصل الشعور هنا هو الجوع بصفة عامة كأحتياج خام ،
ولكن عند جعل الاحتياج مشروط بشئ ما يتحول الي
انا أريد (انا عايز ألبي احتياجي بالشرط دا فقط )
وكل ما دونه مرفوض،
أحدي احب اقتباساتي لعدنان الصائغ
هي أطرقُ بابًا، أفتحهُ
لا أبصر إلا نفسي بابًا، أفتحهُ
أدخلُ، لا شيء سوى بابٍ آخر
يا ربي كمْ بابًا يفصلني عني
لي صديق عاش عمره كله يطلب الحب والقبول من أباه،
لا تهم نظرة الجميع له، حب الناس وأفتخار أصدقائه بمجرد وجوده معهم ،
القبول والمحبة الألهية له في كل خطوة صغيرة في حياته، أحدالناس الذي تتمني ان تصبح منهم وان لم تصبح منهم
ان تجالسهم فقط ان تتلمس من نورهم دفء يونس قلبك ،
بحكم قربي إليه اعرف انه علي استعداد تام ليضحي بكل هذا في مقابل ان يحتضنه اباه ،فقط يري نظرة محبة وفخر من اباه، الامر الذي بطابع واقع الحياة لن يحدث في الغالب ،
لا لسوء في ابيه او لسوء في صاحبي وانما لان هذه هي الدنيا،
قالها لي جدي رحمه الله في صباح يوم جمعة وضوء الشمس مُسلط علي صدره ينير قلبه وعبائته البيضاء
" الدنيا مبتديش محتاج "
تكتيك طارق الثاني للسنة الثانية
ليس هنالك من ضمانات في العلاقات بين البشر،
العلاقة الوحيدة المضمونة
هي علاقتك مع نفسك و علاقتك مع الله،
في السنة الثالثة ومع ازدياد نضوجي و بدأ علو صوت وعي امام أصوات مخاوفي بدأت مرحلة انا من حقي …، حتي لو …،
منذ مدة لم أعد أذكرها،
وقد أخذت عهد علي نفسي بأن أصلي قيام الليل وغرفتي مظلمة تماماً،
ربما كانت محاولة طفولية مني وقتها للوصول الي إحدي درجات الخشوع و بقيت معي من يومها،
في منتصف العشر الاواخر من رمضان،
وفي منتصف الظلام الحالك لغرفتي أري ضوء فسفورياً كالذي يستعمله الصيادون في منتصف البحر ليلاً
متدليا من كتف سريري ، علي شكل حبات صغيرة لم استطع ان أُدرك ماهي،
اضئ غرفتي واكتشف انها سبحة جدتي "نورا" المصنوعة من مواد تستخرج من البحر تشبه الشعب المرجانية،
المسبحة ذات المائة حبة التي تدعي "يُسر"،
فمثلما كبرت وانا اسُمي أشيائي كسيارتي شويكار هانم، كانت العادة في الاصل من جدتي نورا،
تحكي لي عن
سبحتها يُسر التي كانت تضيء في الظلام كلما أفاضت في الذكر عليها،
كانت لا تفارق رقبتها الا لتستريح علي يدها فهي سلاحها الاقرب التي تذبح به الشياطين بالتسبيح،
ووسيلتها الاسمي لاطمئنان قلبها ،
كلما وجدتني سارحاً داعبتني تارة بالأمثال الشعبية المنتقاة خصيصًا للموقف و تارة بالسجع في الحديث،
بذكر الحبيب قلبك يطيب يا محمد
ياللي اسمك علي اسم الحبيب اذكره في كل وسع وضيق،
كانت جدتي نورا مثل مسبحتها "يُسر" في حياتنا،
تضئ وقت ظلام الليل والعائلة والقلب والظروف
تنير رغم كل شئ، وبدون اي شئ ببساطة شديدة وكأنها خُلقت لتُضئ ربما او ربما لأن لكل امري نصيب من اسمه،
ببشرتها البيضاء وجنتيها الحمراء دائماً،في كل صباح تهتم بنفسها كفتاة عشرينية في صباح زفافها،
بعجين الحنة تُحنّي كفيّ يدها وشعرها وتمشطه وهي جالسة تحت ضوء شمس الضحي،
تجمع الاحفاد حولها لتقوم بتسريح شعرهم واحد تلو الأخر علي رقص نغمات كلمات الفولكلور الريفي الدافئ البسيط،
و الأن اقول انها كانت الدلاية التي تربط العقد،
احتل قلبي دائماً شعور الفقد ،في كل محطة من محطات حياتي ، أستوطنه منذ فقدي لصديق طفولتي إثر حادث سيارة،من موت چدي أبوضيف وانا مغترب في ايام مرضه الأخيره، لموت جدتي نورا وانا جالس بجوار جثمانها
باكياً علي صفحات المصحف الصغير الذي أهداني إياه صديق عمري قبل أعتقاله وفقدي له هو الأخر !..
ولان الذاكرة عتاد الثائرين ،
فقلبي الثائر يذكرني كل ليلة بان الفراق حتمي،
وان الفقد مستوطن يطرد الطمأنينة من قلبي كلما حاول ان يأخذ انفاسه في منتصف المعركة،
في كل محطة يُكسر جزء من قلبي ولا أسترجعه مرة أخري، لذلك أقضي يومي وفي صدري ثقب ،
ثقب أسود يبتلع قدرتي علي التواجد في الواقع، أحاول ملئه بما يؤنس وحدتي،بدخان السجائر، صوت ام كلثوم،
عمر طاهر و إبتهالات النقشبندي ،
بتعلق قلبي الغير محدود بفلسطين مصاحباً رضوي عاشور وابراهيم نصرالله والقريب الي قلبي غسان كنفاني ،
باللعب مع قطط الشارع وحكايات عجائز القهاوي،
تكتيك طارق الثالث للسنة الثالثة
أن القاعدة الوحيدة الثابتة في الحياة هي أن الأشياء السيئة ستحدث،
وأن حياتك الحقيقية هي رد فعلي علي الحدث السئ،
و كيف تقبلت حدوثه وتعاملت معه، فالألم حتمي، والمعاناة أختيار.
في السنة الرابعة بعد مواجهة مخاوفي
او بمعني اكثر للدقة تسامحت مع وجودها،تعلمت ان انمو حولها،
مع بداية تلك السنة بدأت مرحلة اخذ القرارت بصورة اكثر نضجاً وعيً وطمأنينة فانا قررت…، وانا مسئول عن قراري.
في هذا العام اخذت تسحرني فكرة تعدد الاحتمالات اللانهائية في كل الاشياء،
كيف لخطوة صغيرة تخطوها في شارع ان تنتهي بك لملاقاة صديق العمر، او الحب والنصف التاني منك ،
كيف يمكن لنجاحات حياتك ان تتقرر بمجرد سهرة واحدة تذاكر بها بجّد،
صلاة واحدة تبكي فيها خشية الله
قرار واحد صحيح كافي بتغيير حياتك كلها للمسار الصحيح،
أخذت أيضا تُرعبني فكرة تعدد الاحتمالات اللانهائية في كل الاشياء،
كيف لخطوة صغيرة تخطوها في شارع ان تنتهي بك لملاقاة عدو العمر،الحسرة وخسارتك للنصف التاني منك،
كيف يمكن لسقطات حياتك ان تتقرر بمجرد سهرة واحدة مع صُحبة سوء،
ذنب واحد تنسي فيه وجود الله،
قرار واحد خاطئ كافي بتغيير حياتك كلها للمسار الخاطئ،
وفي كل تلك الاحتمالات أصدق في محبة الله لي دائماً ، في لطفه الخفي، كيف يُبدل سيئاتنا بحسنات،
تطمئني فكرة وجود الله الغفور الرحيم ،
تطمئني اني لي رب يعطيني دائمًا فرصة لتصحيح المسار
رب الفُرص الثانية
تكتيك طارق الرابع والاخير
انا أستاهل اتحب واتقبل كلي علي بعضي
انا استحق العدل المحبة الطمأنينة.
خليك كويس عزيزي القارئ
و افتح الثلاجة لتأكل الفراخ المشوية
بعد عودتك من جلسة العلاج الأولي.
تعليقات
إرسال تعليق